Start of Main Content

جميل باطيب

عمل جميل باطيب كمدرّس لغة ألمانية لطلاب المرحلة الثانوية، الفرصة التي لا تسنح للكثيرين في تونس، ألا وهي تدريس الهولوكوست لهم. يسعى باطيب جاهدا ليكون أحد عوامل التغيير في العالم الإسلامي بصفته مشارك فعّال في الأحداث الأخيرة للثورة التونسية، وذلك من خلال محاربة الدعاية والمعاداة للسامية وإغفال الحديث عن الهولوكوست.

نسخة كاملة مكتوبة

جميل باطيب: ينبغي على الجميع أن يعي أن هناك أقلية يهودية تعيش بيننا، وهم يشكلون جزءً من تاريخنا وثقافتنا، وبعدها يُمكن الحديث عما حدث لهم خلال الاحتلال الألماني.

أليسا فيشمان: يعمل جميل باطيب كمدرس لغة ألمانية لطلاب المرحلة الثانوية في تونس. وهي فرصة لا تُتاح للكثيرين في بلده، ألا وهي تدريس الهولوكوست لهم. يسعى باطيب جاهدا ليكون أحد عوامل التغيير في العالم الإسلامي بصفته مشارك فعّال في الأحداث الأخيرة للثورة التونسية، وذلك من خلال محاربة الدعاية والمعاداة للسامية وإغفال الحديث عن الهولوكوست.

مرحبًا بكم في "آراء حول معاداة السامية"، وهي حلقات لنشرة صوتية يتم بثها عبر الإنترنت، مأخوذة من المتحف التذكاري للهولوكوست في الولايات المتحدة، والتي خرجت إلى النور بفضل الدعم السخي "لمؤسسة إليزابيث وأوليفر ستانتون". معكم أليسا فيشمان. إننا نقوم بدعوة ضيف شهرياً للتحدث حول الطرق العديدة التي تؤثر بها معاداة السامية والكراهية على عالمنا اليوم. نقدم لكم الناشط في مجال حقوق الإنسان، جميل باطيب.

جميل باطيب: لقد درست في تونس... اللغة الألمانية والأدب والتاريخ. وأذكر أننا درسنا عن ألمانيا النازية خلال فصل دراسي، أعني فصل دراسي كامل. حينئذٍ عرفت حقاً ما هو الهولوكوست. إنه ليس موضوعاً شائعاً في تونس، فهو أمر لا يتحدث عنه الكثيرون، بل ويصل بالبعض إلى حد إنكاره.

ففي تونس، يُنظر إليه كأحد المحظورات. لأنك كما تعلم، بمجرد الحديث عن اليهود، تنضم تلقائياً إلى غمرة المدافعين عن سياسات إسرائيل. ويرجع الأمر في ذلك إلى الخلط السخيف بين دولة إسرائيل والديانة اليهودية. لذا فحملت على عاتقي في بادئ الأمر، مهمة الفصل بين إسرائيل - أعني دولة إسرائيل وسياستها - وبين الديانة اليهودية والثقافة اليهودية واليهود كبشر مثلنا.

وخلال عملي كمدرس لغة ألمانية، فإنني ضمنياً أحكي لهم عن الثقافة الألمانية وتاريخها. فعلى سبيل المثال، إذا كنت تُعلم الطلاب أسماء الأطعمة والمشروبات الكحولية في ألمانيا، فيجب عليك أن تخبرهم بأن الشعب الألماني يُحب الجعة، بل ولديهم مهرجان دولي للجعة يُدعى "أوكتوبرفست". وإذا كنت تُخبرهم عن مدينة برلين... فإنك تحكي لهم عن المدينة وعما لديها من آثار، وقلّما تذكر أي شيء عن الحرب العالمية الثانية، إلخ.

وأحياناً كثيرة...  يُوجه لي الطلاب هذا السؤال الشائع: "أستاذ، ما رأيك في هتلر؟" وللأسف، يظن بعض الطلاب أن هتلر كان بطلاً قومياً. فمثلاً، لقد عثرت العام الماضي على كتاب "كفاحي" مترجماً للغة العربية. وقتئذٍ، اضطررت إلى أن أشرح لهم كيف كان هتلر مجرماً. قلت لهم أن هتلر قتل اليهود والغجر والعديد من الأبرياء: أطفال ونساء ومراهقين مثلكم. وإذا كان استمر في الحكم لأكثر من ذلك هنا أو إذا استطاعت ألمانيا آنذاك السيطرة على العالم، ربما كان قتلنا جميعاً. أعني الشعب التونسي والعربي والمسلم، وكل فرد آخر.  فالأمر يتعلق بمبادئ غاية في العنصرية. إذاً، ففي مثل هذه الحالات، يتوجب عليّ الحديث إلى الطلاب.

فشبابنا يتخذون قدوات سيئة لهم. فمثلاً، هم يظنون أن صدّام حُسين كان رجلاً عظيماً. لكنني أقول لهم: "لا تضعون ثقتكم أبداً في شخص قتل شعبه وإياكوا أن تعجبوا به، كهتلر أو صدام، لأنهما كانا مجرميّن، وأبعد ما يكونوا عن الأفراد الصالحين"

لقد سبق وأن عانينا من الديكتاتورية، لكن بلادنا تحررت الآن، ولا يزال أمامنا الكثير لنفعله. وأول ما يلزم علينا فعله، هو تعلّم الديموقراطية: كيف نعيش سوياً، وكيف نتسامح، وكيف نتقبل الآخر. وكما سبق وأن وضحت، الهولوكوست يُمثل جزءاً هاماً جداً في تاريخنا، لكن لا أحد يتحدث عنه. وما أبناء وطني سوى ضحايا. فاليهود من أصل تونسي هم أبناء وطني، مثلي تماما، كمواطن تونسي، وكما تعرف فهم ضحاياً أيضاً. وقد كان الهولوكوست جريمة ضد الإنسانية. وينبغي على الجميع أن يدرك ضرورة ألا يحدث ذلك تارة أخرى. فإنك كي تفهم ما يدور بحاضرك، ولكي تُخطط لمستقبلك، ينبغي عليك أن تعي ماضيك جيداً.